المؤتمر الفكري للدورة 10 من مهرجان المسرح العربي -تونس يناير 2018

السلطة والمعرفة في المسرح

المحور المقترح : سلطة المؤلف ومعارفه : الدور التاريخي والجمالي للمؤلف المسرحي، ومسار السلطة لديه من الهيمنة إلى التلاشي التدريجي، بالاعتماد على نماذج عالمية وعربية.مواصفات ثقافة المؤلف المسرحي الراهنة، وموقعه ضمن مجالات الكتابة.

عنوان المداخلة

"الكاتب المسرحي بين السلطة الفكرية و السلطة الجمالية"

"الشخصيات التي يحتاج لها المسرح و التي تظهر فوق الخشبة يجب أن ترتدي لباس الشعر، و في نفس الوقت تظهر لنا عظامها و دمها,,,"
لوركا
سؤال المقدمة

النص المسرحي يحمل طاقة و قيمة فكرية و سياسية ، من خلال هذه القيمة الخاصة يتفاعل الكاتب مع محيطه و يخلق علاقات متعددة تتداخل فيها السلط و تتغير المواقع حسب سياقات تاريخية و جمالية محددة. بالإضافة للأثر الاجتماعي و الفكري ، قوة حضور و مفعول النص تتجلى أيضا في قدرته على التأثير في أساليب و أشكال الإبداع سواء على مستوى الإخراج أو التشخيص أو السينوغرافيا... من خلال هذه الرؤية المزدوجة سنحاول في هذا المداخلة تقديم رؤية تشخيصية و تحليلية لمكانة و دور المؤلف المسرحي في عملية الإبداع و طبيعة العلاقات المنسوجة مع مجموعة من الأطراف بداية بالدولة و المؤسسات و وصولا للمخرج... من بين الأسئلة التي يمكن أن تأطر و توجه هذه المداخلة و التي سنتناول الإجابة عنها : - كيف تطورت وضعية الكاتب المسرحي عبر تاريخ المهنة و ما مدى تأثير الشرط المادي على استقلاليته الفكرية و الإبداعية ؟ - هل لازالت للكاتب المسرحي اليوم سلطة إيديولوجية مؤثرة على محيطه الاجتماعي و السياسي؟ - كيف تحول دور المخرج في علاقته بالنص المسرحي من مفسر للمعنى لمبدع للفرجة الركحية ؟ - كيف يمكن للمؤلف المسرحي المعاصر أن يطور أشكال الكتابة المسرحية و تعميق خصوصيتها و التي تتجلى في المزج بين البعد الأدبي و البعد الفرجوي ؟ - الكاتب المسرحي هنا الآن و رهانات الإبداع ؟

1 - السؤال الأول
فيما يخص السؤال الأولي المتعلق بتطور وضعية المؤلف المسرحي و ما مدى تأثير الشرط المادي على إنتاجاته الفكرية و الإبداعية، يجب بداية العودة إلى التأمل و التفكير في تاريخ مهنة الكتابة المسرحية و علاقتها بالسلطة و هذا يدفعنا أيضا إلى تحديد هوية هذه المهنة أو هويات هذه المهنة التي تطورت بشكل جدلي مع الواقع و بشكل متنوع حسب السياقات الثقافية و التحولات التاريخية. المؤرخون يربطون في أغلب الأحيان تاريخ المسرح - حتى نهاية القرن العشرين - بالنص المسرحي و مؤلفه، هذه المقاربة بدأت تتغير تدريجيا لتتجه نحو إدماج أكبر للكاتب و نصوصه في حركية اجتماعية و جمالية شاملة. من بين الشروط الأساسية و المؤثرة في مهمة و مكانة الكاتب المسرحي هو الشرط الوظيفي، تطور المهنة و الوظيفة مرتبط بشكل كبير و مباشر بالمكانة الاعتبارية و التي تترجم من خلال الإطار القانوني و الاعتراف بالحقوق و أولها الملكية الفكرية و الفنية. هذه القيمة المعنوية و المادية هي التي تسمح بتحديد أيضا هامش الاعتراف و تملك السلطة لدى الكاتب. فحينما تعترف السلطة القانونية بالكاتب و تمنحه هذه المكانة فهي تمنحه بالتالي سلطة داخل المهنة و هنا لابد من الإشارة إلى أن هذا الاعتراف يكون مرتبط في أغلب الأحيان بمجال الأدب و خصوصيته كممارسة فردية إبداعية يعيشها الكاتب في عزلته. إذا كانت سلطة الكاتب هي مساحة الحقوق المؤطرة لمهنته، فإن الوضعية الإجتماعية المترتبة تعكس أيضا المكانة و درجة التأثير داخل المجتمع و المهنة. في أغلب الأحيان يكون الشرط المادي و الإمكانيات المتوفرة محددا لتطور عمل الفنان المسرحي و قيمة إبداعاته كمؤلف له رؤية و أسلوب خاص. من جانب آخر مهنة الكتابة للمسرح مرتبطة بعدة أطراف : منها الناشر و الموزع و المنتج المسرحي و المخرج و مدراء المسارح و المؤسسات الثقافية و الهيئات العمومية و الخصوصية الممولة و الداعمة. كل طرف متدخل يمكن أن يساهم و يؤثر بشكل أو بآخر بالتعريف بتجربة الكاتب و منحها إمكانية الوصول إلى القارئ و الجمهور و توجيه ذوقه و رؤيته للعالم. على العموم و بإقتضاب يمكن الإجابة على السؤال الأولي أعلاه بالقول أن سلطة الدولة أو النظام إتجاه الكاتب المسرحي في الوقت الحاضر هي سلطة رقابة و احتواء تنزاح حسب درجة وعي المجتمع و تمارس من خلال سلطة القانون و المال و السياسة الثقافية العامة للدولة. لم تعد هناك مواجهة مفتوحة و مباشرة مع السلطة لكن هناك أشكال أخرى يمكن أن تقزم عمل المؤلف و رجل المسرح على العموم و كما يقول الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز : السلطة هي في حاجة أكثر ليس لقمعنا و لكن لتكسير معنوياتنا...


2 – السؤال الثاني
السؤال الثاني و الذي هو امتداد مباشر للأول ويتعلق بمدى تأثير الكاتب المسرحي اليوم على محيطه الاجتماعي و السياسي و هل يتملك فعلا سلطة إيديولوجية ؟ النص المسرحي حضي دائما طوال تاريخ المهنة بقوة و سلطة فكرية و اجتماعية فهو من بين الأشكال و الأجناس التي طالتها الرقابة طوال العصور و هناك نماذج كثيرة في هذا الباب. مجموعة من الكتاب المسرحيين و في حقبات تاريخية مختلفة كانوا يشكلون نوع من المقاومة للسلطة بتلويناتها المتعددة و يمكن أن نذكر من بينهم على سبيل المثال لا الحصر تجربة موليير مع رجال الدين و المؤسسة الدينية، تجربة بريشت مع سلطة الرأسمال و النازية، تجربة لوركا مع الفاشية و الفكر الديني المحافظ... المسرح و من خلاله الكاتب كان دائما يمثل واجهة و منصة لنقد جميع أشكال التسلط و الوقوف إلى جانب قضايا الإنسان. قوة النصوص الدرامية و سلطة المؤلف لا تكمن فقط في خطاب القيم و الدفاع عن الحرية و العدالة و الجمال، بل قوته الأولى بالأساس تتجلى على مستوى الشكل و أسلوب الحكي و البعد الشاعري و الفلسفي للكلمة. كما سبق القول أعلاه المسرح له سلطة نسبية حسب كل مرحلة تاريخية و سياق اجتماعي سياسي و الكاتب المسرحي يبقى عنصرا أساسيا في اقتراح و تشكيل قوة مضادة مؤثرة في المجتمع و الرؤية السياسية المحددة لتوجهه. الكاتب له سلطة الخيال و التي تمتد و تعيش في مخيلة المتفرج. الإبداع ليس فكرة مجردة بل فعل اجتماعي و جذلي و تفاعلي و المسرح هو التعبير الفني الذي يجسد بشكل قوي هذا البعد الاجتماعي لأنه ينبني على فكرة العلاقة و بدونها المسرح لا معنى و لا مكانة له. و لكن في نفس الوقت لا يمكن لأي نص أو مشروع مسرحي أن يدعي إحداث ثورة أو تغييرا اجتماعيا و سياسيا، يمكن في أقصى الحالات أن يحدث تغييرات في السلوك الفردي و الوعي بالمحيط الخاص و العام...


3 - السؤال الثالث
السؤال الموالي يتعلق بكيف تحول دور المخرج في علاقته بالنص المسرحي من مفسر للمعني لمبدع للفرجة الركحية ؟ علاقة المؤلف المسرحي بالمخرج كانت دائما علاقة متوترة ، أحيانا يحدث التواطئ و التكامل و أحيانا أخرى تصبح حرب مواقع و ممارسة سلطة تكون فيها في أغلب الحالات الكفة راجحة لصالح المخرج . حينما نتكلم عن حرب مواقع نعني بها أولا ممارسة وظيفة و تحديد خصائصها. يمكن الاعتقاد و لو بشكل نسبي و بدون تعميم أن اختيار فنان أن يصبح مخرجا هو اختيار واعي أو لا شعوري برغبة في ممارسة سلطة ما : سلطة اختيار نص و ممثلين و أسلوب و رؤيا و علاقة مع الجمهور و المجتمع . هذه السلطة لها شروطها و خصوصيتها فهي ليست سلطة الحجز و الرقابة بل سلطة التحرر و الابتكار و لكنها تبقى مرتبطة بعلاقة أفضلية و تراتبية على المستوى المادي و المعنوي .و هنا يمكن أن نتسائل و بشكل عام عن العلاقات الممكنة بين الكاتب المسرحي و مخرجه ؟ هل المخرج منفذ للنص أو مكتشف له كما يقول يافيس ؟ بداية هناك نوع من النصوص الكلاسيكية و التي يشتغل عليها المخرجون بمنطق التأويل و التحيين و هناك نصوص معاصرة و التي يحضر فيها نوع من التنافس يشكل لبسا لذا المتفرج على مستوى التلقي . السلطة الممارسة على الكاتب المعاصر تتجلى في انحياز تيار من المخرجين لتقليص مكانة النص و تقزيم دور الكلمة لكي نشهد في بعض الأعمال أحيانا نوع من الدراماتورجيا الشبه صامتة. رغم ما كتب و تقدم به مجموعة من النقاد و المنظرين للممارسة المسرحية حول ظاهرة موت المؤلف أو موت النص، فإن هذا الرأي يبقى على المستوى الجمالي و الفكري محدودا بحيث أن أغلب المخرجين الكبار و الذين أثروا و بصموا بشكل حاسم تاريخ مهنة الإخراج ، قد تعاملوا مع النص بشكل متوازن و مسؤول. هذا المعطى تأكده مجموعة من التجارب مثل تجربة الفرنسية أريان منوشكين و الألماني بيتير شتاين و الإيطالي جورجيو شترايلر و الإنجليزي بيتير بروك ... بحيث أن احترام نص المسرحية لا يعني إلغاء الإبداع أو المسؤولية في قراءة الحكاية المقترحة. فمن خلال توزيع الأدوار و إدارة الممثل و تصور الفضاء و توظيف الإنارة و الموسيقى و تنظيم انتباه الجمهور تحضر رؤية المخرج و إبداعه الجمالي الذي يسمح له باقتراح رؤيا جديدة للنص . إذا كيف يمكن أن يكون رد فعل الكاتب المسرحي اليوم أمام هذا التحول في التعامل مع نصوصه من طرف بعض المخرجين و الذي قد يدفعه لتصور علاقة جديدة مع الكتابة و مع المخرج ؟ هل يترك الكاتب مكانته كمؤلف يطمح لإنتاج و إبداع نصوص تحمل قيمة فنية مستقلة و يتحول لدراماتورج تابع لمنطق الخشبة و ربما مساعد مخرج ؟ ردود الفعل يمكن أن تختلف من كاتب لآخر ومن سياق ثقافي لآخر. أمام هذه الظاهرة هناك كتاب يتوجهون أكثر إلي تعميق و ترسيخ البعد الأدبي للنص المسرحي، و كتاب آخرون يبحثون في أشكال و أساليب جديدة لتطوير حضور الكلمة فوق الخشبة، بينما آخرون يستسلمون لمنطق سلطة المخرج. صراع السلطة أو صراع المواقع بين الكاتب و المخرج حول مفهوم الدراماتورجيا "النصية" و تحديد وظيفتها داخل العرض هو الرهان الأساسي في هذه العلاقة الملتبسة. سلطة الصورة و التي هي بشكل عملي في يد المخرج و القادرة على تلبية رغبات المتلقي و المرتبطة بتطور عقليات و مجتمع في علاقته مع الزمان، تساهم أيضا في تقليص مكانة النص داخل العرض المسرحي. الكاتب المسرحي في بحثه عن أشكال جديدة للكتابة للمسرح يتوجه أيضا للفنون الأخرى و ينهل منها بما فيها السينما و الرسم و الموسيقى والرواية و الشعر فيصبح مؤلفه مزيج من الأجناس . و لكن في نفس الوقت يرفض أن يكون ذيلا أو تابعا مثل منجز مادة لسيناريو أفلام أو مجرد سكريبت... أين يمكن أن تتحدد سلطة المخرج في علاقته مع الكاتب المسرحي و كيف يمكنه أن يحافظ على توازن لهذه العلاقة والتي هي في الحقيقة ليست فقط ثنائية بل ثلاثية بين الكاتب و المخرج و الممثل و مرتبطة بمجموعة من الاختيارات الجماعية سواء كانت تقنية او فنية أو إنسانية. المسرح هو فن و عمل جماعي و عندما يفتقد هذا العنصر الجوهري يفقد روحه و توازنه الذي يسمح بتفجير الطاقة والتناغم و الابتكارفي علاقة مع الجمهور. و في الأخير لابد من التأكيد أننا لا يمكننا أن نختزل القيمة الفكرية و الجمالية للفرجة المسرحية في نقاش مرتبط فقط بالشكل و الأساليب و التقنيات بل لابد أن يعود النقاش إلى ماهية المسرح و هو مناقشة الفكر و الرؤيا و المحتوى الفلسفي للفن المسرحي في علاقته بالمجتمع و السلطة التي تحتويه.


4 - السؤال الرابع
السؤال الرابع يتعلق بموقف المؤلف المسرحي المعاصر من هذه العلاقة المتغيرة و كيف يمكنه أن يطور أشكال الكتابة المسرحية و تعميق خصوصيتها و التي تتجلى في المزج بين البعد الأدبي و البعد الفرجوي ؟ اليوم الكاتب المسرحي مطالب بالبحث في أشكال تعبيرية درامية يمكنها أن تأثر بشكل ملموس في صيغ الإنتاج و أساليب الإخراج و التشخيص. هذا البحث لا يعني وضع نوع من الصراع و التضاد بين البعد الكلامي (النص) و البعد المرئي (العرض) بل هي محاولة إدماج و إعادة تركيب مفهوم الفرجة بشكل عام، هذا التوجه قد يشكل نوعا من إعادة الاعتبار لمكانة النص و سلطة المؤلف. بالفعل مكانة الكاتب المسرحي تغيرت و تطورت بشكل ملحوظ و هذه عملية طبيعية، فالسياق و المحيط يلعبان دورا أساسيا في انزياح مركز السلطة الإبداعية. هذا التطور سمح من جانب آخر للكتاب أن يبحثوا عن مواقع أخرى لممارسة حريتهم الإبداعية و هنا لا بد من التذكير و التأكيد بأن هناك كتابات مسرحية و ليست كتابة واحدة و مخرجين مسرحيين و ليس شكلا واحدا من الإخراج، بحيث أن للكاتب المسرحي عدة اختيارات على مستوى الشكل و أسلوب تأليف نصوصه أو حضوره في عمل فني ما. إذا اختار أن يكون دراماتورج مندمج في سيرورة الإبداع مرتبطة بالخشبة فهذا اختيار يفقده استقلاليته و يفقد عمله قيمته الفنية المستقلة و يصبح تابعا لقرار المخرج، أما إذا أراد أن يحافظ على سلطة أو مكانة معينة فهو مطالب بأخذ مسافة مع الخشبة و أن يحدد زمان و إيقاع الكتابة بشكل ذاتي. و في هذه الحالة يمكن أن تتنوع أشكال الكتابة من اقتباس أو إعادة الكتابة أو تأليف. في الآونة الأخيرة بدأنا نتكلم عن إعادة إدماج الأدب فوق الخشبة بشكل خاص و يعتبر هذا الاختيار كموقف متوازن من طرف الكاتب المسرحي إذ يأخذ بعين الاعتبار أيضا مكانة المخرج كمبدع. و في هذا الاتجاه نشهد و نكتشف تجارب كتاب مسرحيين يشتغلون و ينتجون نصوصا ليست بها توزيع شخصيات وفيها دمج بين الحوار و الإرشادات و عدم تحديد ظروف التلفظ و طبيعة المواقف، و بذلك يصبح النص المسرحي مادة أدبية منفتحة و مركبة تفسح للمخرج مجال واسع لإقتراح رؤيته الجمالية و الفنية. من خلال تاريخ المهنة تتولد لنا قناعة بأن ابتكار أساليب جديدة و متميزة في الكتابة والتأليف بقدرتها الدفع بولادة إبداعات فرجوية و جادة. النص المحكم و المتقن يحمل في ثناياه قوة فرجوية و فكرية لا يمكن للمخرج أن يغفلها أو يتغافل عنها و هنا تكمن مسؤوليته الفنية و الجمالية...


5 – السؤال الخامس
الكاتب المسرحي هنا الآن و رهانات الإبداع ؟ اليوم إعادة السؤال حول علاقة الكاتب المسرحي بالسلطة بجميع تجلياتها يفرض نفسه بالخصوص في ظل التحولات و السياقات المتجددة و هنا أفضل أن اطرح هذا السؤال من زاوية خاصة و ذاتية ككاتب عربي مغربي و أعيد السؤال بصيغة الفرد : ماذا أفعل بالمسرح الآن هنا و كيف أجعل وظيفته فعلية و ناجعة، ما هي حدود تأثيره على المحيط الاجتماعي و الثقافي بمغرب اليوم و ما هي العلاقة الكائنة مع السلطة المؤسسة و السلطة المسرح ؟ الكتابة للمسرح كما أتصورها هي فعل مقاومة ذهنية للراكد و المتخفي الذي طاله الغبار، هو كشف للذات و للمجموعة و لكل التناقضات الاجتماعية و النفسية التي تنبني عليها سلوكات المجتمع الذي أعيش فيه. سلطة العقليات هي موضوع المقاومة و مادة الكتابة و مهمة الكاتب. وظيفة النص الأولى داخل المجتمع هو رصد الظاهرة و المتناقضات التي تحملها ثم كشف المعنى... حينما أكتب حكاية مسرحية أطمح أولا أن أخلق إحساسا حقيقيا لدى الجمهور و أطمح أيضا أن يحصل تأثير مباشر على تمثلات المتفرج للواقع المشترك بيني و بينه. الكاتب و من خلال نصوصه و بتواطئ مع المخرج و الممثلين له "السلطة" و القدرة لابتكار و صنع حكايات و صور تمس الوجدان و الفكر و توجههما إلى رؤية و معنى للعالم. في تجربتي الشخصية ليست هناك سلطة أو رقابة على النصوص التي أكتب و ليست هناك رقابة مباشرة على العروض أيضا، هامش الرقابة ضئيل حسب تجربتي الذاتية، ربما تحضر رقابة من نوع آخر لا شعورية و غير معقلنة. أنا ككاتب مسرحي لست في صراع مع سلطة معينة واضحة الملامح و المعالم، أنا أولا في صراع مع الذات لكسر قطع الثلج المتناثرة و الراكدة في داخلي. أنا في صراع مع جميع المؤسسات التي تمارس تسلط سواء كانت سياسية أو دينية أو عائلية و التي تحد من تحرر الفرد و الجماعة. في اعتقادي، الكاتب المسرحي يطمح دائما أن يؤثر في رؤية الفرد للمحيط الذي يعيش فيه و يضيء ما هو جوهري في العلاقات الإنسانية فالحكي و الكلمة فوق الخشبة يستمدان قوتهما و فاعليتهما من الأسلوب و قدرته على استحضار التجربة الإنسانية الواقعية و ربطها بالإحساس الجماعي. د عصام اليوسفي