Détail Oeuvre - Signature

توقيع نص مسرحي يصعب تناوله من جانب واحد فهو عبارة عن معرض تشكيلي مركب لا تبوح لوحاته بكل أسرارها من النظرة الأولى أو القراءة الأولى. انه نص قادر على توليد أفكار جديدة مع كل قراءة جديدة. يغور في نفسيات إنسانية معقدة وينسج بينها علاقات أكثر تعقيدا لكن دون أدنى شكل من التعالي الفكري أو البذخ التعبيري. لن أقدم هنا دراسة تحليلية أكاديمية، بقدر ما سأعبر عن حالة عشق عشتها مع هذا النص المسرحي. نص لم يبوح لي بكل أسراره حتى بادلني نفس العشق سواء كممثل أو كصاحب فكرته الأولى التي شاءت أن تصير نصا مسرحيا ناضجا، متكاملا، على يد كاتب متمكن، مبدع، له رصيد إنساني وفكري وقيمي يسمح له بأن يعطيها حق الوجود والرقي الى عالم الفكر والأدب والشعر. نحن إذن أمام حالة فنية، أدبية، إنسانية متفردة واستثنائية بمعايير عدة: أولا: أستطاع الكاتب دراماتورج و باحث مسرحيي في نصه الرائع هذا أن يوثق للحظة تاريخية بدقة متناهية وبطرح مركب وسلس وعميق. لقد نجح في وصف هذه اللحظة السياسية الدقيقة دون السقوط في اليماغوجية المتغطرسة أو أي شكل من الأيديولوجية الفجة والمباشرة. ثانيا: توقيع هو تركيبة مسرحية جد متوازنة بحيث لا يغلب أي جانب على الآخر، سواء النفسي أو العاطفي أو الاجتماعي والسياسي. فالبناء الدرامي القوي للنص يعتمد على لوحات متتالية، تتطور من خلالها الصراعات بين الشخصيات بإيقاع متواتر وبشكل متكافئ. ثالثا: لغة النص دارجة مغربية بسيطة شاعرية، تحمل من الرمزية والبلاغة ما يجعل القارئ والمتفرج مندهشان أمام قدرة دراماتورج و باحث مسرحيي على ابراز كل هذه الإمكانيات الدلالية والرمزية والتغني بموسيقاها الداخلية دون السقوط في المبالغة أو النشاز. انه رد اعتبار لهذه اللغة التي تتعرض لكل أنواع الإبتدال والتحقير والاستغلال البئيس. رابعا: قدرة الكاتب على رسم أغوار الشخصيات والأحداث من خلال مونولوجات شاعرية جميلة وبليغة وأجمل ما فيها أنها تنتصر للكتابة المسرحية كشكل ومضمون مع الحفاظ على مصداقية الظروف الواقعية والنفسية للأحداث بدقة متناهية. خامسا: لم نعتد أن يكتب الممثل تقديما لنص مؤلفه، فالمسألة في حد ذاتها تنبع من كون أن القصة لها أكثر من جانب للتناول، هي أولا وقبل كل شيء قصة صداقة، وفاء، تكامل وسخاء في العطاء، فالمسرح مدرسة للقيم الجميلة الى جانب كونه فنا تعبيريا عظيما. لن أحكي كل تفاصيل هذه القصة حتى لا أفشي أسرار جانبها السحري، فهي حلم تحقق دون أن يفقد جانبه الهلامي الافتراضي. لابد أن أشير إلى أن توقيع هو كصاحبه حالة من الغضب الهادئ، تعبير ملتزم عن وضعية اجتماعية وسياسية مريضة، التزام بقضايا وطنية وإنسانية بصدق وعمق وتواضع. هو فعلا نص "ثوري، حداثي، واقعي، كلاسيكي، روحاني، معاصر، تقدمي، اشتراكي، سياسي، إسلامي، ليبرالي، محافظ، علماني، بنيوي، تعبيري، سريالي......" عديدة هي إذن الجوانب التي جعلتني أعشق هذا النص وأتماه معه، لكنني أترك للقارئ فرصة الاكتشاف والتمعن والتذوق والاندهاش، توقيع بالنسبة لي حالة صوفية لا يمكن للمتلقي أن يصل إلى درجاتها الروحية العليا من العشق الا بعد أن تكشف له الكثير من أسرارها وهو ما يتطلب أكثر من قراءة ووقفة تأملية. توقيع وبكل بساطة نص مسرحي رائع وممتع أدعوكم لاكتشافه حتى يسافر بكم إلى حالة العشق الصوفي المتوهجة التي تحدثت عنها.... سنلتقي حتما هناك في معبد جميل اسمه المسرح.

زكريا لحلو