”الندوة الفكرية - أيام الشارقة المسرحية مارس 2017 .محور المداخلة “التكوين المسرحي في العالم العربي

عنوان المداخلة

"المنهج التربوي : الثوابت و الخصوصيات.نموذج المعهد العالي للفن المسرحي بالرباط"

"المدرسة هي أجمل مسرح في العالم"
أنطوان فيتيز
كلمة تقديمية :

المداخلة المقترحة في إطار هذه الندوة الفكرية المخصصة للتكوين المسرحي في العالم العربي تحمل عنوان "المنهج التربوي : الثوابث و الخصوصيات. نموذج المعهد العالي للفن المسرحي بالرباط". في البداية لابد من تحديد طبيعة هذا العرض و الذي هو أقرب لشهادة تحليلية منه لدراسة أو بحث أكاديمي لوضعية و خصوصيات التكوين المسرحي و ذلك من خلال التجربة الميدانية في مواقع المسؤولية سواء كمدير للمعهد العالي للفن المسرحي بالرباط أو أستاذ قار رئيس شعبة التشخيص بنفس المؤسسة. هذه الشهادة المقترحة ترتكز على ثلاثة محاور مندمجة : - المحور الأول يتعلق بماهية و معنى فكرة التكوين المسرحي و خلفياتها الفكرية و الاجتماعية و الجمالية. - المحور الثاني هو تقديم لتجربة المعهد العالي للفن المسرحي بالمغرب و توصيف لاختياراته التربوية و البيداغوجية. - المحور الثالث يتطرق لسؤال المنهج و طبيعة الرهانات و التحديات في أفق تطوير التكوين المسرحي.

المحور 1. فكرة المسرح.
ثلاثة الأسئلة يمكن طرحها لتأطير هذا المحور و توجيه التفكير في ماهية التكوين المسرحي. - السؤال الأول : لماذا نؤسس مدرسة للمسرح و ما هي الخلفيات و الانتظارات و الأهداف وراء مثل هذا الاختيار المجتمعي ؟ بداية خلق و تأسيس مؤسسة للتكوين المسرحي هو أولا اعتراف رسمي بمهنة و اقتناع جماعي بوظيفتها الفكرية و الاجتماعية لدى الدولة. و بشكل جدلي خلق فضاء للتعلم في حرفة ما يتطلب بالضرورة متابعة تنظيمية و هيكلة لممارسة ميدانية للمهنة و ذلك بخلق قوانين و مؤسسات فاعلة. الدولة من خلال هذا الاختيار و التأسيس تهدف خلق صناعة ثقافية مستدامة و عقلة العلاقة مع مهنة المسرح. ثانيا تأسيس فضاء أكاديمي للتكوين يشكل في حد ذاته بحثا عن رؤية جديدة للمسرح من خلال فتح المجال لجيل جديد يحمل فكرا جديدا مختلف عن ما هو كائن في الحاضر. هذا شكل من أشكال الاستثمار في الفرد من خلال الفن المسرحي هو تأكيد على قدرة الإنسان على الابتكار و الإبداع من أجل تربية ذوق و توسيع دائرة الوعي الجماعي بالعالم الذي يعيش فيه. - السؤال الثاني : ما هي الثوابت البيداغوجية العامة و المرتبطة بالمعرفة الكونية في مجال التكوين المسرحي ؟ من الثوابت في بيداغوجية التعلم الفني و المسرحي مبدأ التدرج و التطور تبعا لأهداف وغايات محددة كانت تطبيقية أو نظرية : نظام التدريس في معاهد التكوين المسرحي يعتمد بالأساس و في جزء كبير على العمل التطبيقي و التجريبي. التمرين و التجربة الحسية و الجسدية هي عماد الدرس المسرحي الأكاديمي. هناك أيضا منهجية التلقين و مصاحبة الموهبة بالوعي لتملك تقنيات التعبير الجسدي و الصوتي و التي تشكلان أداة التقمص و التمسرح لدي الممثل. المعرفة الكونية و المحلية كمعلومة و مفهوم و تاريخ و أفكار تكون حاضرة و مكملة للشق التطبيقي. هذه الثوابت المنهجية و التربوية تكون حاضرة في جل المعاهد العالمية و تبقى قاعدة المعرفة المسرحية المشتركة. السؤال الثالث : أي تكوين مسرحي و لأي جمهور مجتمع ؟ هوية المؤسسة و خصوصية الاختيارات ؟ كل تصور أو مشروع تربوي هو وليد محيطه الثقافي و الاجتماعي و يتوجب إدماج خصوصية هذا المحيط في التكوين. الموروث الثقافي كشكل فرجوي يشكل خلفية حضارية و هوية الانتماء و المؤسسة من مهامها أيضا صيانة هذه التعابير و تطويرها و تلقينها للطالب و رجل المسرح المستقبل (مسرح الحلقة، مسرح الحكواتي...). كما أن مقاربة هذه الأشكال الفرجوية يتطلب من الملقن ابتكار مناهج جديدة تتأقلم مع تطور و خصوصية المهنة. الهوية تكون حاضرة أيضا في اللغة، استعمال اللغة المحلية و الاشتغال على النصوص المحلية أو المقتبسة يؤكد هذا الاختيار و الخصوصية (اللغة بيت الإنسان). بالإضافة للسياق الإجتماعي و الثقافي، التعبير الفني هو تعبير عن قيم و عقليات توجه كل مجتمع و تحدد طبيعة التلقي لدى الجمهور المسرحي. جملة من الخصوصيات الثقافية (اللغة، الموسيقى، الرقص، الغناء، الهندسة...) يمكنها أن تحدد هوية المؤسسة و انتمائها.


المحور 2. التصور التربوي و خصوصية التكوين بالمعهد العالي للفن المسرحي و التنشيط الثقافي بالرباط .
المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي مؤسسة للتكوين والدراسة والبحث في جميع ميادين المسرح و قد أحدث سنة 1985 ويعمل تحت وصاية وزارة الثقافة المغربية. شروط الالتحاق بالمعهد : يتم الالتحاق بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي على اثر مباراة يشارك فيها المرشحون الحاملون لشهادة الباكلوريا أو ما يعادلها والذين لا يتعدى سنهم 23 سنة يمكن للمرشحين غير المغاربة أن يلتحقوا بالمعهد بنفس الشروط المطبقة على المرشحين المغاربة. التوجهات العامة للدراسة والتكوين : يمتد التكوين أربع سنوات للحصول على دبلوم المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي مقسمة إلى سلكين. تداخل الفنون والتقنيات والعلوم المتعلقة بالعمل المسرحي والمرتبطة بالتكوين الفني تقتضي تكوينا دائما أساسيا يتلوه تخصص تدريجي. أ - سلك أول يتكون من : - سنة تحضيرية للتكوين العام وتلقين المعلومات الأساسية - سنة ثانية لاستكمال التكوين العام والإعداد لمتابعة الدراسة في شعب السلك الثاني ب - سلك ثاني يتكون من : سنة أولى من شعب التخصصات التالية : 1. التمثيل المسرحي 2. السينوغرافيا 3. التنشيط الثقافي سنة ثانية لتعميق مدارك السنة السابقة من خلال الفروع التالية : تخصص التشخيص (التشخيص، الاخراج، الكتابة.) تخصص سينوغرافيا (الديكور والسينوغرافيا، الصوت والانارة، مسرح العرائس، ادارة الخشبة) تخصص تنشيط ثقافي (التدبير وادارة المؤسسات الثقافية والإنتاجات الفنية، التنشيط ) في السلك الثاني يتم دعم مكتسبات السلك الأول عبر دروس التخصص و الأوراش التقنية التطبيقية والحلقات الدراسية المتخصصة والمحاضرات و التداريب. تختتم السنوات الدراسية الأربع بتقديم مشاريع ابداعية وأعمال فنية/ أو ملفات دراسية وأبحاث. يمنح دبلوم المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي لحامله إمكانية متابعة دراسات وأبحاث في اطار السلك الثالث في الجامعات الوطنية والدولية. يقوم المعهد أيضا بتنظيم ندوات علمية حول مهن المسرح، كما يستقبل فنانين و باحثين في فنون الفرجة مغاربة و أجانب في إطار لقاءات مفتوحة. يقترح المعهد حلقات دراسية بشكل دوري تخص التربية الفنية. في إطار التكوين المستمر واستكمال الخبرة، يقترح المعهد ورشات تكوينية لفائدة مهنيو المسرح و تقنيو فنون العرض و كذا منشطو المؤسسات الثقافية . فيما يخص هيئة التدريس التربوية التي تشرف على التكوين و التأطير فهي مكونة من أساتذة جامعيين مهنيين و أساتذة جامعيين باحثين و أساتذة التعليم الفني خريجي المعهد، هذا بالإضافة لأساتذة و فنانين متعاونين. أما بخصوص المناهج المتبعة داخل المؤسسة، فالمعهد لا يتبع منهاجا قارا - رغم أن منهج ستانيسلافسكي الواقعي هو الغالب - كل أستاذ له أسلوبه الخاص و الذي يتم توظيفه حسب مضمون الدرس و مستوى الطلبة. المعهد يعتمد ازدواجية اللغة على مستوى إلقاء و تأطير الفصل ( العربية / الفرنسية ) حسب تكوين و مرجعيات الأستاذ و طبيعة المادة الملقنة. تستعمل أيضا اللغة الدارجة المغربية في الدروس التطبيقية سواء من طرف الأستاذ أو الطالب في إنجاز الدور. فيما يخص مجال التعاون مع المعاهد العربية بالنسبة للمؤسسة المغربية، فأشكال التعاون على المستوى الرسمي هي شبه منعدمة. المعهد المغربي استقبل مجموعة من الأساتذة الفنانين العرب للإشراف على تداريب و ورشات كأفراد و ليس في إطار علاقة تعاون مع مؤسسات أخرى. يمكن أن نذكر من بين هؤلاء المؤطرين الأساتذة فاضل الجاف، هشام كفرنا، فاضل الجعيبي و فنانين آخرين من الأردن و مصر. على العموم فيما يخص المعهد المغربي، هناك تعاون أكبر مع أوربا و انفتاح على التجارب و المناهج الأوربية منذ تأسيسه... بعد هذا الاستعراض المقتضب للتصور التربوي للمعهد المغربي و على ضوء الإختيارات المتضمنة يمكن تقديم جملة من الملاحظات النقدية. بداية لنتوقف عند الجوانب الإيجابية و التي يجب ترسيخها و تطويرها داخل المؤسسة. - بعد أزيد من ثلاثة عقود على تأسيس المعهد، الجميع يقر بأن هناك حضور وازن و تأثير جلي للخريجين في مجال الإبداع الفني سواء بالمسرح أو التلفزة أو السينما. - الحضور و المزج بين تكوين الممثل و تكوين السينوغراف داخل المؤسسة يشكل قيمة مضافة و اختيار إيجابي للطرفين. - اختيار الانفتاح على تجارب الفنانين و الأساتذة المغاربة و الأجانب من خارج المؤسسة من خلال برمجة ورشات ذات أهداف دقيقة يقوى مكتسبات الطالب و يسمح له بتوسيع مداركه و اكتشاف خبرات جديدة. - مبارة ولوج المعهد لإنتقاء الطلبة الجدد عملية جد معقدة و مسؤولية تربوية و الصيغة التي تتبناها المؤسسة رغم طولها تسمح بالمتابعة القريبة و التأكد من مميزات كل مرشح. - اختيار المعهد في بحوث التخرج مزج بين البحث الأكاديمي و العمل المهني من خلال صياغة البحوث و تقديم العروض هو إختيار و تحدي إيجابي رغم الصعوبة و التعقيد الذي يحمله هذا الاختيار يمكن أن نشير أيضا لمجموعة من العوائق و التي تشكل تحديات أمام المؤسسة في الحاضر و المستقبل نذكر من بينها : - المعهد العالي المغربي هو المؤسسة الوحيدة في مجال التكوين المسرحي و هذا يخلق أفق انتظار كبير و متزايد و ضغط على خدمات و قدرات المعهد، إذ ينبغي تحديد هوية المؤسسة بشكل أدق في أفق خلق معاهد أخرى في تخصصات جديدة. - العملية التربوية التي تجمع الأستاذ بالطالب تتطلب تنسيق أكبر بين المواد التطبيقية و المواد النظرية من أجل مردودية أكبر. - من بين المشاكل والتحديات التي تعيشها المؤسسة هي غياب تقنين واضح للعلاقة مع سوق العمل و بالخصوص تحديد شروط مشاركة الطالب في أعمال خارجية. - إنجاح كامل للمشروع التكويني، يتطلب الإشتغال بآليات و ضوابط تربوية و قانونية واضحة من أجل تأطير ومتابعة و تقييم سليم و موضوعي. - هيئة التدريس القارة بالمعهد مطالبة بإدماج مناهج جديدة في تكوين الممثل و توظيف التقنيات الرقمية الجديدة في تكوين السينوغراف. - من بين التحديات الآنية و المستعجلة هو إيجاد صيغة مناسبة تراعي خصوصية المعهد فيما يخص عملية الإصلاح الجديد المرتقب (ليسانس / ماستر / دكتورة)


المحور. 3 : سؤال المنهج و المرجع في تكوين الممثل.
كما ورد في الملاحظات حول عمل المعهد و تصوره التربوي، يبقى سؤال المنهج و المرجع في تلقين المعارف المتعلقة بالتكوين المسرحي و تكوين الممثل خاصة رهانا جوهريا. سنحاول في هذا المحور التوقف بشكل مقتضب على مكانة المرجع و وظيفة المنهج و ما هي شروط تطويره. أولا ما هو المنهج و ما هي وظيفته التربوية ؟ المنهج هو نسق عام و خاص : نسق عام يهدف تلقين مجموعة من المعارف المجردة و العملية بواسطة وسائل و أدوات تواصلية لغاية أهداف محددة ، أما النسق الخاص فهو مرتبط بميدان التخصص و مضامينه المعرفية و المهنية. كل منهاج يشكل مدرسة لها قواعدها الخاصة و رؤيتها المتميزة و قد راكمت المهنة مجموعة من التجارب و التي أسست منهاجها الخاص و تم تداوله من طرف الممارسين سواء كانوا مربيين أو مخرجين. المنهج مرتبط أيضا بالمصطلح فحينما نذكر ستانيسلافسكي فإننا سنتحدث عن " الذاكرة الانفعالية " و "لو السحرية" و حينما نستحضر منهج بريشت سنتكلم عن "جيستوس" و "الجذلية"... المنهج يؤسس و يركب من خلال ابتكار مصطلح له وظيفة إجرائية كآلية منذمجة في نسق جمالي و رؤية فكرية شاملة. لماذا يجب تحديد منهج تربوي داخل أي مؤسسة تعليمية متخصصة في التكوين المسرحي ؟ أولا اختيار تصور محدد و واضح المعالم من طرف المشرفين التربويين على التكوين يساهم في رسم هوية المؤسسة و يأثر بشكل مباشر في مسار الطالب و رؤيته للمهنة، كما أن المنهج يسمح بخلق إطار يحصن عملية التحصيل و التأطير و التقييم. في نفس الوقت المنهج ليس واحد و ليس مقدس و ليس ثابتا لأنه سيرورة و جذلية متطورة بين المتعلم و الملقن و إنصات متبادل ومستمر في علاقة مع المهنة و خصوصياتها. مهنة الممثل هي اشتغال قبل كل شيء على الإنسان في بعده النفسي و الجسدي لتطوير قدرته التعبيرية و الإنسان هو متعدد و متفرد. لدى و لكي تبقى المؤسسة حية و متطورة يجب أن تحدد و تخلق هوية و اختيار و تكون في نفس الوقت منفتحة على الإبداعات الفنية المتواجدة في محيطها. في هذا الإطار كيف يمكن لمعهد متخصص في تكوين الممثل أن يتعامل مع الإرث المنهجي و كيف يمكن تطويره ؟ من بين المعطيات و الشروط الموضوعية التي يمكنها أن تساعد في هذه العملية : - تطوير المنهج يتطلب خلق مختبرات تربوية و فنية للبحث و التجريب داخل المؤسسة. - تطور المنهج مرتبط بتوفر مراجع متخصصة في التربية الفنية و التكوين المسرحي بلغة التدريس. - تطور المنهج مرتبط بقيمة التجارب الفنية و الإبداعية على مستوى الكتابة و إدارة الممثل و الإخراج و التقنيات العرض الجديدة داخل الساحة الفنية. - تطوير المنهج مرتبط بقناعات المربي و رؤيته البيداغوجية و ليس فقط رهين بمحتوى وصفة الدرس. - المنهج يتطور أيضا عن طريق تبادل الخبرات و الحركية و القدرة على الربط بين ضرورة الفهم النظري و مردودية الفعل التطبيقي و العملي. و في الأخير المنهج هو الكفيل بتحديد طبيعة العلاقة التربوية السليمة و التي تسمح بتجاوز فكرة أن التكوين المسرحي هو إمتداد كلي لأنا الأستاذ أو خلط بين الإخراج كإبداع و التعلم كتلقين.